February 3, 2022
شجرة الجميز
قصة: سامح الزهار رسم: إبراهيم عمرو
كان ياما كان في سالف العصر والأوان..
إحدَى البقاع السَّاحرة بأرض مصر العظيمة التي شهدت على رحلة العائلة المقدسة سيدنا عيسى عليه السلام عندما كان طفلًا، ووالدته السيدة مريم العذراء، ويوسف النجار، تلك المنطقة التي تقع بالقرب من مسلة سنوسرت بمنطقة المطرية الأثرية، وتضم شجرة الجميز التي استظلت بها العائلة المقدسة خلال مرورها بمنطقة المطرية في رحلة هروبها من بطش هيرودس، كما تضم المنطقة أيضًا البئر التي حممت فيها السيدة العذراء طفلها وغسلت فيها ملابسه.
عرفت تلك الشجرة التاريخية العتيقة باسم شجرة العذراء مريم، وقد ذاعت شهرة هذه المنطقة قديمًا بجامعاتها التي كانت خاصة بالكهنة المصريين العلماء، والذين ذاع صيتهم في تدريس العلم والمعرفة، وقد ذاع صيت وشهرة هذه المنطقة مرة أخرى بسبب مجيء العائلة المقدسة إلى مصر مرورًا بتلك المنطقة، فكان فيها التاريخ في شكل حلقة ممتدة عبر العصور كافة.
كانت مصر أول بلد استضاف العائلة المقدسة عند هروبها من ظلم هيرودس ملك اليهود الرومانى في ذلك الوقت، الذي أراد أن يقتل سيدنا عيسى الطفل؛ حيث قد علم أن هناك مولودًا قد ولد وسوف يكون ملكًا على اليهود فاضطرب وخاف على مملكته، فأمر بقتل جميع الأطفال الذين في منطقة بيت لحم بفلسطين التي ولد فيها سيدنا عيسى عليه السلام، فهربت العائلة المقدسة إلى مصر بلد الأمن والأمان، ولما مات هيرودس عادت إلى فلسطين مرة أخرى، ولما كان هيرودس ملك اليهود قد أرسل من يبحث عنهم، واستطاع أن يتجسس أخبارهم، فوصل ذلك إلى الملك هيرودس فقرر إرسال جنوده وزودهم بتوصياته لدى حكام مصر مشددًا بالبحث عن هذه العائلة، ولما شعرت العائلة بمطاردة رجال هيرودس لهم وقربهم منهم اختبأوا تحت هذه الشجرة، فانحنت عليهم بأغصانها وأخفتهم تمامًا عن أعين رسل هيرودس حتى مر الركب ونجوا من شرهم.
أقامت العائلة المقدسة بالقرب من عين شمس ناحية المطرية وهناك استراحت بجوار عين ماء، وغسلت السيدة مريم فيها ثياب المسيح وصبت غسالة الماء بتلك الأراضي، فأنبت الله نبات البلسان وكان يُسقى من ماء بئر يعظمها المسيحيون ويُغتسل بمائها وتستشفى به، فقد كان يُستخرج من البلسان هذا عطر البلسم، وكان يعتبر من الهدايا الثمينة التي تُرسل إلى الملوك، وقد ظلت حديقة المطرية لعدة قرون مشهورة كإحدى الأماكن المقدسة في الشرق، وكانت مزارًا مرموقًا لكثير من السياح من جهات العالم المختلفة، ولا تزال الكنيسة القبطية المصرية تحتفل بتلك الذكرى المباركة أول شهر يونيو من كل عام وهى تذكار دخول المسيح أرض مصر.
أثناء الحملة الفرنسية على مصر زار الجنود الفرنسيون شجرة العذراء وكتب الكثير منهم أسماءهم على فروعها بأسنة سيوفهم، ونستطيع أن نرى ذلك واضحًا على الشجرة العتيقة، ويذكر أن شجرة العذراء مريم الأصلية التي استراحت عندها العائلة المقدسة قد أدركها الوهن والضعف وسقطت عام 1656م، فقام جماعة من الكهنة بأخذ فرع من فروع هذه الشجرة وقاموا بزرعه بالكنيسة المجاورة لمنطقة الشجرة والمسماة بكنيسة الشجرة مريم ونمت الشجرة وتفرعت، ومنذ فترة قريبة تم أخذ فرع من هذه الشجرة، وتم زرعه ملاصقًا للشجرة الأصلية العتيقة وهي عامرة بالأوراق وثمار الجميز الآن.