No products in the cart.

July 31, 2023

قصة وردة جميلة

بقلم/ سندس أسامة عبيد – 15 سنة، البحرين


كل من يرى جميلة  يعرف أنها هاوية للرسم، فهي في كل مكان وزمان ترسم وتلون، وكانت تحمل أوراقها وألوانها في حقيبة ظهر لا تفارقها ، وفي الإجازة الصيفية انضمت لدورة لتعلم الرسم الرقمي، أحست بانبهار وزاد شغفها نحو الرسم، فقد حان هجر الحقيبة التي عانت من ثقلها تارةً، وعانت من نسيان وضع بعض الألوان أو الأدوات تارةً أخرى، فلن تحمل إلا جهازًاا واحدًا، يحمل القلم وكل أنواع الألوان ودرجاتها، ومختلف أشكال الفرش، إنه العلم دائمًا في خدمة الإنسان.

في يوم من الأيام قررت رسم الورود  الملونة في حديقة بالقرب من منزلهم، فتناولت طعام الغداء، وتوجهت إلى الحديقة، لكنها لم تجد الورود، بحثت كثيرًا عنها لم تجدها، وصلت لنهاية الحديقة، فلم تطل عليها زهرة، استغربت جميلة وتعجبت، أين اختفت الوردات الزاهية التي تمنح كل من يراها ابتسامةً عذبة؟  دارت ودارت لعلها نسيت ركنًا في الحديقة لم تصبه ، لكنها أيضًا لم تجد ولا وردة واحدة، جلست على الأرض ومدت ساقيها لتستريح، وأطلقت عينيها امتداد الأفق، وقالت في نفسها:” هل يعقل أنني أخطأت الحديقة ؟….. لا… لا هذه هي الحديقة حديقة الورود لكن بلا ورود. وبينما هي مستغرقة في التفكير سمعت صوت كحة خافت ومتواصل، أخذت تبحث في الأرض عن مصدر هذه الكحة، فتحركت وردة صغيرة بيضاء بالقرب من قدمها، فأبعدت قدمها بسرعة، وقالت صارخة: يا إلهي … أنتِ أيتها الزهرة الصغيرة … كم أنت قريبة من قدمي! كدتُ أدوسك، الحمد لله إنني لم أفعل. حاولت الزهرة أن ترفع رأسها لكن دون جدوى، انحنت جميلة لكي ترى وجهها، فتساءلت: مابك أيتها الوردة؟ هل تشكين من شيء؟ أومأت الزهرة برأسها دون أن تنطق . فقالت جميلة: ما الذي يؤلمك؟ هل تحتاجين للماء؟

بصوت متقطع ومتهدج ردت الوردة: كل جسمي يؤلمني، لا أريد ماء ربما هذه الآلام من الماء فعندما تمتص جذوري الماء أحس بضعف وإعياء أكثر، وأخشى أن يكون مصيري  الهلاك مثل أقراني. فهمتْ جميلة سر اختفاء الوردات، وحزنت كثيرًا لفناء الورود التي كانت تبهج جميع أفراد الحي. والتفتت إلى الوردة المريضة: وكيف لي أن أساعدكِ ؟ ردت بتثاقل: بمكنك البحث بالقرب من جذوري، فأنا أتحسس مواد صلبة لا أعرف ما هي كما أشعر بحرارة، ومع امتصاصي للماء أجد أنه حامض الطعم، ولا يستفيد جسمي من قيمته .

أخذت جميلة تحفر وتحفر فوجدتْ هاتفًا خلويًّا قديمًا، أخرجته فأحست الوردة بانتعاش ، واستطاعت رفع رأسها، ورسمت ابتسامة خفيفة على وجهها امتنانًا وشكرًا لجميلة التي أخذت تقلب الهاتف: أيعقل أن يكون هذا الهاتف هو الذي يهدد حياتك؟ نفضت جميلة التراب عن الهاتف، وتبينت بقع الصدأ في طرفه، لكنها استبعدت فكرة أن يكون لهذا الهاتف يد في هلاك ورود الحديقة، فأخذت الهاتف إلى البيت وجلست على مكتبها تتصفح صفحات الانترنت لتبحث عن آثار الهاتف على النباتات. تفاجأت من الآثار الخطيرة التي تسببها النفايات الإلكترونية وخاصة الهاتف، كل الناس تحب اقتناء الهاتف، وتتفاخر بشراء أحدث الصيحات.

شعرت جميلة بتأنيب الضمير؛ لأنها تملك حاسوبًا لوحيًّا، ربما بعد فترة يكون سببًا في معاناة وردة أو شجرة أو نبتة، وربما تطال حيوانًا أو إنسانًا ….. لاحظت أم جميلة شرود ابنتها، وبعد أن سألتها وعرفت سبب شرودها وحزنها، ذهبت معها إلى غرفة في البيت وفتحت خزانة، ورأت الكثير من الهواتف الخلوية والأجهزة القديمة، وقبل أن تبدي جميلة تساؤلاتها بادرت الأم قائلةً:  نحن أسرة نحب بيئتنا ولا نضرها وإذا تعطل حاسوبك اللوحي واستغنيتِ عنه بعد سنوات يمكنكِ أن تضعيه هنا، فنحن نجمع كل الأدوات، ثم نسلمها لجهة تعيدُ تدويرها دون المساس بالبيئة، انفرجت أسارير جميلة، وتابعت ممارسة هواية الرسم، فرسمت وردتها بعد أن تعافت وازدانت في استقامة وعبير، وقررت أن تقوم بحملة تنظيف لكل الحديقة حتى تتمكن من إنبات الورود مرة أخرى.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *